الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{قَالَ اخرج مِنْهَا} مذمومًا من ذأمه إذا ذمه. وقرئ {مذمومًا} كمسول في مسؤول أو كمكول في مكيل، من ذامه يذيمه ذيمًا. {مَذْمُومًا مَّدْحُورًا} مطرودًا. {لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ} اللام فيه لتوطئة القسم وجوابه: {لأَمْلانَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ} وهو ساد مسد جواب الشرط. وقرئ {لِمَنْ} بكسر اللام على أنه خبر لأملأن على معنى: لمن تبعك هذا الوعيد، أو علة لأخرج ولأملأن جواب قسم محذوف ومعنى منكم ومنهم فغلب المخاطب.{ويَا ءادَمَ} أي وقلنا يا آدم.{اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ الجنة فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة} وقرئ هذي وهو الأصل لتصغيره على ذيا والهاء بدل من الياء. {فَتَكُونَا مِنَ الظالمين} فتصيرا من الذين ظلموا أنفسهم، وتكونا يحتمل الجزم على العطف والنصب على الجواب.{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان} أي فعل الوسوسة لأجلهما، وهي في الأصل الصوت الخفي كالهينمة والخشخشة ومنه وسوس الحلي. وقد سئل في سورة البقرة كيفية وسوسته. {لِيُبْدِيَ لَهُمَا} ليظهر لهما، واللام للعاقبة أو للغرض على أنه أراد أيضًا بوسوسته أن يسوءهما بانكشاف عورتيهما، ولذلك عبر عنهما بالسوأة. وفيه دليل على أن كشف العورة في الخلوة وعند الزوج من غير حاجة قبيح مستهجن في الطباع. {مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا} ما غطي عنهما من عوراتهما، وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر، وإنما لم تقلب الواو المضمومة همزة في المشهور كما قلبت في أو يصل تصغير واصل لأن الثانية مدة وقرئ {سوآتهما} بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على الواو وسوأتهما بقلبها واوًا وإدغام الواو الساكنة فيها.{وَقَالَ مَا نهاكما رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلا أَن تَكُونَا} إِلاَّ كراهة أن تكونا. {مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين} الذين لا يموتون أو يخلدون في الجنة، واستدل به على فضل الملائكة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وجوابه: أنه كان من المعلوم أن الحقائق لا تنقلب وإنما كانت رغبتهما في أن يحصل لهما أيضًا للملائكة من الكمالات الفطرية، والاستغناء عن الأطعمة والأشربة، وذلك لا يدل على فضلهم مطلقًا. اهـ.
.تفسير الآية رقم (21): قوله تعالى: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)}.مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي:ولما أوصل إليهما هذا المعنى، أخبر أنه أكده تأكيدًا عظيمًا كما يؤكد الحالف ما يحلف عليه فقال: {وقاسمهما} أي أقسم لهما، لكن ذكر المفاعلة ليدل على أنه حصلت بينهما في ذلك مراوغات ومحاولات بذل فيها الجهد، وأكد لمعرفته أنهما طبعا على النفرة من المعصية- ما أقسم عليه أنواعًا من التأكيد في قوله: {إني لكما} فأفاد تقديم الجار المفهم للاختصاص أنه يقول: إني خصصتكما بجميع نصيحتي {لمن الناصحين} وفيه تنبيه على الاحتراز من الحالف، وأن الأغلب أن كل حلاف كذاب، فإنه لا يحلف إلا عند ظنه أن سامعه لا يصدقه، ولا يظن ذلك إلا هو معتاد للكذب. اهـ..من أقوال المفسرين: .قال الفخر: {وَقَاسَمَهُمَا إِنّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين} أي وأقسم لهما إني لكما لمن الناصحين.فإن قيل: المقاسمة أن تقسم لصاحبك ويقسم لك.تقول: قاسمت فلانًا أي حالفته، وتقاسما تحالفًا ومنه قوله تعالى: {تَقَاسَمُواْ بالله لَنُبَيّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} [النمل: 49].قلنا: فيه وجوه: الأول: التقدير أنه قال: أقسم لكما إني لكما لمن الناصحين.وقالا له: أتقسم بالله إنك لمن الناصحين؟ فجعل ذلك مقاسمة بينهم.والثاني: أقسم لهما بالنصيحة، وأقسما له بقبولها.الثالث: أنه أخرج قسم إبليس على زنة المفاعلة، لأنه اجتهد فيه اجتهاد المقاسم.إذا عرفت هذا فنقول: قال قتادة: حلف لهما بالله حتى خدعهما، وقد يخدع المؤمن بالله، وقوله: {إِنّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين} أي قال إبليس: إني خلقت قبلكما، وأنا أعلم أحوالًا كثيرة من المصالح والمفاسد لا تعرفانها فامتثلا قولي أرشدكما. اهـ..قال السمرقندي: قوله: {وَقَاسَمَهُمَا} أي حلف لهما {إِنّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين} بأنها شجرة الخلد من أكل منها لم يمت.وكان آدم لم يعلم أن أحدًا يحلف بالله كاذبًا. اهـ..قال الثعلبي: {وَقَاسَمَهُمَا} أي أقسم وحلف لهما، وقاسم من المفاعلة أي يختصّ الواحد مثل المعافاة المعاقبة والمناولة.قال خالد بن زهير:قال قتادة: حلف لهما بالله عزّ وجلّ حتّى خدعهما وقد يخدع المؤمن بالله فقال: إني خُلقت قبلكما وأنا أعلم منكما فاتبعاني أرشدكما، وكان بعض أهل العلم يقول: من خادعنا بالله خدعنا.وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن غر كريم، والفاجر خبُّ لئيم».وحدّثنا أبو القاسم الحبيبي في بعضها. قال: أنشدنا أبو الحسن المظفّر بن محمد بن غالب قال: أنشدنا نفطويه: . اهـ. .قال الماوردي: قوله عز وجل: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} أي حلف لهما على صدقه في خبره ونصحه في مشورته، فقبلا قوله وتصورا صدقه لأنهما لم يعلما أن أحدًا يجترئ على الحلف بالله كاذبًا.ويحتمل وجهًا آخر: أن يكون معنى قوله: {وَقَاسَمَهُمَا} أي قال لهما: إن كان ما قلته خيرًا فهو لكما دوني وإن كان شرًا فهو عليّ دونكما ومن فعل ذلك معكما فهو من الناصحين لكما، فكانت هذه مقاسمتهما أن قسم الخير لهما والشر له على وجه الغرور لتنتفي عنه التهمة ويسرع إليه القبول. اهـ..قال ابن عطية: {وقاسمهما} أي حلف لهما باله وهي مفاعلة إذ قبول المحلوف له وإقباله على معنى اليمين كالقسم وتقريره وإن كان بادي الرأي يعطي أنها من واحد، ومثله قول الهذلي:وروي في القصص أن آدم قال في جملة اعتذاره: ما ظننت يا رب أن أحدًا يحلف حانثًا، فقال بعض العلماء خدع الشيطان آدم بالله عز وجل فانخدع، ونحن من خدعنا بالله عز وجل انخدعنا له، وروي نحوه عن قتادة، واللام في قوله: {لكما} متعلقة بالناصحين، فقال بعض الناس مكي وغيره: ذلك على أن تكون الألف واللام لتعريف الجنس لا بمعنى الذي، لأنها إذا كانت بمعنى الذي كان قوله: {لكما} داخلًا في الصلة فلا يجوز تقديمه، وأظن أن أبا علي الفارسي خرج جواز تقديمه وهي بمعنى الذي، والظاهر أنه إن جعلت بمعنى الذي كانت اللام في قوله: {لكما} متعلقة بمحذوف تقديره إني ناصح لكما من الناصحين، وقال أبو العالية في بعض القراءة {وقاسمهما بالله}. اهـ. .قال القرطبي: قوله تعالى: {وَقَاسَمَهُمَا} أي حلف لهما.يقال: أقسم إقسامًا؛ أي حَلف.قال الشاعر:وجاء فاعلت من واحد.وهو يردّ على من قال: إن المفاعلة لا تكون إلا من اثنين.وقد تقدّم في المائدة.{إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين} ليس {لكما} داخلًا في الصلة.والتقدير: إني ناصح لكما لمن الناصحين؛ قاله هشام النحويّ.وقد تقدّم مثله في البقرة.ومعنى الكلام: اتبعاني أرشدكما؛ ذكره قتادة. اهـ. .قال الخازن: قوله تعالى: {وقاسمهما} أي وأقسم وحلف لهما وهذا من المفاعلة التي تختص بالواحد {إني لكما لَمن الناصحين} قال قتادة: حلف لهما بالله تعالى حتى خدعهما وقد يُخدع المؤمن بالله فقال إني خُلقت قبلكما وأنا أعلم منكما فاتبعاني أرشدكما وقال بعض العلماء: من خادعنا بالله خدعنا له. اهـ..قال أبو حيان: {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين}لم يكتف إبليس بالوسوسة وهو الإلقاء في خفية سرًّا ولا بالقول حتى أقسم على أنه ناصح لهما والمقاسمة مفاعلة تقتضي المشاركة في الفعل فتقسم لصاحبك ويقسم لك تقول قاسمت فلانًا خالفته وتقاسما تحالفًا وأما هنا فمعنى وقاسمهما أقسم لهما لأنّ اليمين لم يشاركاه فيها.وهو كقول الشاعر:وفاعل قد يأتي بمعنى أفعل نحو باعدت الشيء وأبعدته، وقال ابن عطية وقاسمهما أي حلف لهما وهي مفاعلة إذ قبول المحلوف له وإقباله على معنى اليمين كالقسم وتقريره وإن كان بادي الرأي يعني أنها من واحد، وقال الزمخشري: كأنه قال لهما أقسم لكما أني لمن الناصحين وقالا له أتقسم بالله إنك لمن الناصحين، فجعل ذلك مقاسمة بينهم أو أقسم لهما بالنصيحة وأقسما له بقبولها أو أخرج قسم إبليس على وزن المفاعلة لأنه اجتهد فيها اجتهاد المقاسم انتهى، وقرئ {وقاسمهما بالله} و{لكما} متعلّق بمحذوف تقديره ناصح لكما أو أعني أو بالناصحين على أنّ أل موصولة وتسومح في الظرف والمجرور ما لا يتسامح في غيرهما أو على أنّ أل لتعريف الجنس لا موصولة أوجه مقولة. اهـ. .قال الألوسي: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)}أقسم لهما، وإنما عبر بصيغة المفاعلة للمبالغة لأن من يباري أحدًا في فعل يجد فيه فاستعمل في لازمه، وقيل: المفاعلة على بابها، والقسم وقع من الجانبين لكنه اختلف متعلقه فهو أقسم لهما على النصح وهما أقسما له على القبول.وتعقب بأن هذا إنما يتم لو جرد المقاسمة عن ذكر المقسم عليه وهو النصيحة، أما حيث ذكر فلا يتم إلا أن يقال: سمى قبول النصيحة نصيحة للمشاكلة والمقابلة كما قيل في قوله تعالى: {وواعدنا موسى} [الأعراف: 142] أنه سمى التزام موسى عليه السلام الوفاء والحضور للميعاد ميعادًا فأسند التعبير بالمفاعلة، وقيل: قالا له أتقسم بالله تعالى إنك لمن الناصحين؟ وأقسم لهما فجعل ذلك مقاسمة.وعلى هذا فيكون كما قال ابن المنير في الكلام لف لأن آدم وحواء عليهما السلام لا يقسمان له بلفظ التكلم بل بلفظ الخطاب، وقيل: إنه إلى التغليب أقرب، وقيل: إنه لا حاجة إليه بأن يكون المعنى حلفا عليه بأن يقول لهما: إني لكما لمن الناصحين. اهـ..قال ابن عاشور: {وقاسمهما} أي حلف لهما بما يوهم صدقه، والمقاسمة مفاعلة من أقسم إذا حلف، حذفت منه الهمزة عند صوغ المفاعلة، كما حذفت في المكارمة، والمفاعلةُ هنا للمبالغة في الفعل، وليست لحصول الفعل من الجانبين، ونظيرها: عافاه الله، وجعله في الكشاف: كأنّهما قالا له تُقسم بالله إنّك لمن النّاصحين فَأقْسم فجُعل طلبُهما القسمَ بمنزلة القسم، أي فتكون المفاعلة مجازًا، قال أو أقسم لهما بالنّصيحة وأقسما له بقبولها، فتكون المفاعلة على بابها، وتأكيد إخباره عن نفسه بالنّصح لهما بثلاث مؤكدَات دليل على مبلغ شكّ آدم وزوجه في نصحه لهما، وما رأى عليهما من مخائل التّردّد في صدقه، وإنّما شكّا في نصحه لأنّهما وَجدا ما يأمرهما مخالفًا لما أمرهما الله الذي يعلمان إرادتَه بهما الخير علمًا حاصلًا بالفطرة. اهـ.
|